ذكرنا في المقال السابق أن اتفاقية عشق آباد لا تقل خطورةً عن الاتفاق النووي الإيراني «5+1» مع بيان الأسباب، وأنه يجب التعامل بجدية مع تلك الاتفاقية. إلا أن هناك أموراً لا بد من مراعاتها عند التعامل مع هذه المسألة من بينها ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الدول الآسيوية خاصةً الدول ذات الثقل السياسي أو الاقتصادي، وذلك في ضوء رؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بشأن بناء تحالفٍ آسيوي يحقق المزيد من الأمن والاستقرار والرفاه الاقتصادي والاجتماعي للشعوب، وأن تتم مناقشة هذه المسألة في أضيق نطاقٍ ممكن -أي من خلال المشاورات السياسية- بهدف التنسيق مع بعض الدول الأطراف في الاتفاقية بشأن تحديد البضائع الخطرة أو المحظورة التي يمكن أن تنقل عبر مياه الخليج العربي.

وهذا يقودنا إلى موضوعٍ آخر ذي صلة وهو بناء التحالفات للتخفيف من وطأة الصراعات الإقليمية. فتشكيل التحالفات أو التجمعات السياسية أو الاقتصادية سواء على النطاق الإقليمي أو النطاق الدولي ضرورة لا بد منها طالما أن مثل تلك الخطوات لا تؤدي إلى عزل البحرين عن محيطها الخليجي والعربي. ومن المهم ألا يتصادم أي تحالف يتم الانضمام إليه مع تحالفات أخرى ذات أهمية كمجموعة شنغهاي للتعاون التي تضم «8» دول من بينها الصين وروسيا والهند وباكستان.

وقد اتخذت مملكة البحرين خطوة مهمة قبل عدة أيام تمثلت في الانضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا وبروتوكولاتها المعدلة لتصبح ثالث دولة عربية -بعد مصر والمغرب- تنضم إلى هذه المعاهدة. وتتركز المعاهدة على مسألتين جوهريتين: أولاً، تعزيز التعاون بين الدول الأطراف في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والإدارية، وثانياً، تسوية المنازعات بين الدول بالطرق السلمية. وبالرغم من أن المجال -في بادئ الأمر- كان مفتوحاً لدول جنوب شرق آسيا للانضمام إلى المعاهدة، إلا أن البروتوكول الأول المعدل للمعاهدة أجاز للدول الأخرى الانضمام إلى المعاهدة شريطة أن توافق دول جنوب شرق آسيا على ذلك.

ومن المهم أن تأخذ مسألة تعزيز العلاقات متعددة الأطراف خارج نطاق الأمم المتحدة حيزاً أكبر ضمن أولويات وزارة الخارجية في المرحلة المقبلة، خاصةً وأن إيران تقوم بتحركات دبلوماسية مكثفة مكنتها من تحقيق مكاسب عدة على صعيد العلاقات متعددة الأطراف، وذلك من خلال الانضمام إلى منظمات وتجمعات دولية أو المشاركة في أعمالها بصفة مراقب، ولعل من أبرز المكاسب الدبلوماسية التي حققتها إيران اعتماد اتفاقية عشق آباد ودخول تلك الاتفاقية حيز النفاذ.

وعليه فإنه من الضروري أن تستكمل بلادنا جهودها في مجال العلاقات متعددة الأطراف، وأن تقوم بتكثيف حضورها الدبلوماسي في مختلف المحافل -كأن تشارك مثلاً بصفة مراقب في أعمال رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي «أيورا»- وألا توجه أنظارها دوماً نحو العالم الغربي. فالدبلوماسية المثالية تقتضي التوازن في العلاقات الدولية لأن ذلك يعد صمان أمانٍ للدولة.