قال جل شأنه، «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى»، وقال الله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون».

أعلم علم اليقين أن سلطنة عمان فجع شعبها بالخبر الجلل عندما أعلن إعلامها الرسمي نبأ وفاة سلطانها وباني حضارتها العصرية، ومجدد تحضير شبابها، وناشر العلم، ومؤسس ومحدث جيشها الباسل، ومطور أجهزتها الأمنية ومؤسساتها الحكومية، ومعمر أراضيها بالمدن النموذجية والبنى التحتية، ومكسي ربوعها باللون الأخضر، ومفجر خزائنها وكنوزها المدفونة في جوفها، وموظفاً عطاءها الوافر لصالح المواطنين العمانيين، والتصنيع، وتوفير العيش الكريم لأبنائها الأوفياء، والمساهمة مع إخوانه وأشقائه ملوك وأمراء دول الخليج العربي أيما مساهمة، جعلت منا نحن شعوب هذه الدول، يداً واحدة، وأسرة واحدة، تسير في ركب الحضارة والتقدم، ونشر السلام والتسامح بين الأمم، ومناصرة الحق أينما كان.

عندما تولى الراحل المعظم سدة الحكم، تذكرت بذلك اليوم إعلان جلالته العفو العام، وتوجيه الدعوة للمواطنين للقدوم إلى بلادهم والمساهمة في نهضتها وتقدمها.

كان أشقاؤنا العمانيون، يساهمون في بناء حضارتنا كتفاً بكتف، في البحر والبساتين والحقول والأسواق والتعاملات التجارية، وكثير منهم صاهر أسراً بحرينية، وأنجبوا جيلاً مباركاً، وأصبحت البحرين موطناً لهم، فالدين واحد والدم واحد واللغة واحدة والمصير واحد.

وكم كنا نتذكر الكثير منهم الذين عادوا إلى بلادهم بالخير والسيرة الحسنة، ونتذكر جليل أعمالهم وتفانيهم الذي لا يغيب من الذاكرة والوجدان.

المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد من مواليد 18-11-1940، تولى الحكم من بعد والده تغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته. بتاريخ 23-7-1970، حين كنت موظفاً بإدارة الهجرة والجوازات ضمن زملائي بمطار البحرين الدولي، وكنا نرى الشباب القادم من بلدان شتى، قاصدين العودة إلى وطنهم استجابة إلى دعوة سلطانهم قابوس المعظم، ووضع طاقتهم وما اكتسبوه من علمٍ وخبرة تحت قيادته المظفرة، وأنخرطوا وتسلموا أعلى المناصب، كلٌ حسب مؤهلاته العلمية.

وأذكر أيضاً، أن شاباً من سلطنة عمان يعمل بوزارة التربية والتعليم وتعلم في البحرين اسمه عبدالله، وكان يشغل وظيفة أمين مخازن المناهج التعليمية بجميع المراحل، وكان المغفور له الأستاذ أحمد العمران – الذي أصبح وزيراً لوزارة التربية والتعليم بعد استقلال البحرين -، يكن لعبدالله كل حب وتقدير لأمانته، وقامت بيني وبين عبدالله صداقة، والسبب تكملة دراستي الثانوية انتساباً من الصف الثاني ثانوي حتى نيلي شهادة الثانوية العامة، ومن ثم حصولي على الشهادة التوجيهية، وكان متعاوناً معي في توفير جميع الكتب التي أحتاجها للدراسة ودفع أثمان تلك الكتب، وإعادة التأمين المالي من بعد العام الدراسي وترجيع جميع الكتب إلى أمين المخازن المذكور سابقاً.

بعد سماع الأستاذ عبدالله نداء قابوس، قدم الأستاذ عبدالله استقالته إلى وزارة التربية والتعليم وتوجه إلى عمان.

وبعد فترة من الزمن، كنت على الواجب في المطار في استقبال القادمين، فإذا بالأستاذ عبدالله أمامي من ضمن القادمين من مطار دبي، وتبادلت معه التحية والسلام وقال لي، «أنظر، غادرت البحرين بجواز عماني عادي، وهاك جوازي الجديد الذي أحمله، فإذا هو جواز عماني دبلوماسي»، وقال، «هذه ثمرة استجابتي لسيدي السلطان قابوس ومثلي الآلاف».

لا اعتراض على أمر الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عندما سمعنا نبأ وفاة السلطان قابوس صباح يوم 11-1-2020، وسرى الخبر حول الكرة الأرضية، حزنا نحن البحرينيين مثل حزنكم سواء بسواء، على فراقه، قيادة وشعباً، ونقول لكم يا أهل عمان الكرام، عظم الله أجوركم وأجورنا في فقيدنا الحبيب، الذي لن تنسى أعماله الجليلة، وعزاؤنا في صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، الذي أقسم بأنه سيسير على النهج الذي بناه وأسسه الراحل العزيز، في السياسة الداخلية والخارجية، وفقه الله تعالى وأمده بالصحة والعافية وطول العمر والتوفيق إلى ما يحبه الله ويرتضيه، وعاشت سلطنة عمان في عز وأمن واستقرار ورخاء.