ريانة النهام

نظمت أسرة الأدباء والكتاب "ملتقى القصة القصيرة" فعالية تحت عنوان قراء في المجموعة القصصية "معرض الجثث" للقاص العراقي حسن بلاسم، قدمتها القاصة شيماء الوطني، وأدارتها أمينة الكوهجي، في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي.

وتعد شيماء الوطني أحدى الكتاب البحرينين، وهي عضوة في أسرة الأدباء والكتاب، بدأت كتابة المقال والقصص القصيرة في الصحف المحلية والخليجية منذ العام 1998، وحصلت على عدد من الجوائز وشهادات التقدير وأهمها الحصول على المركز الأول في مسابقة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية عن روايتها "المطمورة" العام 2018، وأصدرت عدة مجموعات قصصية مشتركة مع كتاب عرب مثل "مرايا قصصية"، و"عراج على أجنحة السرد"، و"ظل كتاب" و "خطاطيف"، وشاركت في تحكيم مسابقة القصة القصيرة في مجلة العربي وفي مسابقة إذاعة مونت كارلو الدولية العام 2018.

وتحدثت الوطني عن الأدب العراقي، حيث ترى أنه شديد الالتصاق بالشارع والحراك العراقي، فالأدب العراقي مر بـ4 مراحل مهمة جداً، المرحلة الأولى كانت منذ بداية العشرينيات حين أصدر الكاتب محمود أحمد رواية بعنوان "جلال خالد" تحدث فيها عن كل ما ينتابه في نفسه من أسئلة وقضايا وجودية مثل الإنسان والحياة والموت وهي أول رواية عراقية تصدر وتلتها عدد من الروايات التي أصدرت، أما المرحلة الثانية في فترة الستينيات التي انتشرت فيها الإيديولوجية في العالم وتناولت معظم الروايات الأفكار الماركسية والقومية والوجودية.

وقالت الوطني أن المرحلة الثالثة تعد الأهم وهي فترة الثمانينات والتي مرت العراق فيها بحرب مع إيران وحرب الخليج، وتلتها مرحلة الحصار الاقتصادي على العراق مما جعلها تتجه قصراً للكتابة، ليصبح لدى كل إنسان عراقي توجه لكتابة الواقع الذي تعيشه بلاده، لكن هذه القصص والروايات لم تجد مكانها للنشر لما سببته الحروب والرقابة، فضلاً عن الحصار الاقتصادي وابتعاد الإنسان العراقي في ذلك الوقت عن القراءة.

وأردفت:" أما في المرحلة الرابعة وبعد الاحتلال الأمريكي وسقوط حزب البعث، ورأت الأعمال الأدبية النور نجحت في تشكيل زخم للإنتاج الإبداعي الأدبي في العراق، حتى أن اليونسكو قررت أن تمنح بغداد اسم عاصمة الإبداع العربي، لأن في تلك الفترة صدرت أكثر من 500 رواية وما يعادلها من من المجموعات القصصية".

وتطرقت الوطني إلى أن بعض الأعمال التي أصدرت في ذلك الوقت، كانت أعمال وليدة اللحظة، حيث أصدر بعض الكتاب رواية أو روايتين ومن ثم اختفوا عن الساحة، مثل بتول الخضيري أصدرت روايتين واختفت عن الساحة، لكن لازال يوجد آخرون.

وأشارت الوطني إلى بروز عدد من الكتاب في العام 2002، مثل أنعام كجه جي، وأحمد السعداوي، وهم ممن كتبوا في مرحلة ما قبل سقوط حزب البعث، واليوم أصبح معظمهم يعيشون في الخارج، فغادروا العراق قبل أن تحدث هذه الأحداث، وهذا يشير إلى أن هموم الوطن تظل مع المواطن رغم بعد المسافات.

وشددت الوطني على أن الكاتب العراقي هو الأقدر في ترجمة وكتابة واقع العراق في الكتب والروايات، مضيفة:" العديد من الكتاب حاولوا الكتاب خليجين وعرب عن العراق لكن فشلوا في كتاباتهم لأنها كانت سطحية جداً، وتعتمد على درج أسماء لأماكن وشوارع في العراق لكنها افتقدت الروح العراقية، والكثير من التساؤلات كانت تطرح حول العراقيين الذي كتبوا عن واقع بلادهم وهم خارجها، مثل أسنان أنطون وعلي بدر ومحسن الرملي وحسن بلاسمي، هم يعيشون الشتات لكن مازالوا قادرين على نقل الواقع العراقي بطريقة احترافية".

وفيما يتعلق بقصة حسن بلاسم "رجل القاموس" والتي أصدرها في بغداد، قالت الوطني: "القصة تتمحور حول حوار بين شخصيتين، الشخصية الأولى كان يرى الواقع الذي تعيشه العراق من خلالها بشعاً لكن يحاول أن يزيف الواقع ويجمله بالرومانسية والخيال، أما الشخصية الأخرى فكانت ترى الواقع بتشاؤم سوداوي يتحدث عن طرق القتل والاغتصاب، واتضح بعد الحوارية بين الاثنين أنهم شخص واحد يقيم في مستشفى الأمراض العقلية، فالكاتب حسن بلاسم يرى الواقع ولا يستطيع تزييفه".

وبالحديث عن المجموعة القصصية "معرض الجثث"، أوضحت الوطني:" الكاتب حسن بلاسم قال عن المجموعة القصصية، "كيف يمكننا أن نصدق هذا القدر المهول من الوحشية والقسوة، انتبهوا فهنا لا نتكلم عن الجلد والضرب وتكسير العظام والتعذيب بالتنقيط أو فلت الكلاب على الأسرى، ولا سجن أبو غريب ولا سجون صدام حسين أو الأسد أو كيم جونغ أون، وربما لا حتى لا مستعرة عقوبات كافكا، هنا نتكلم عن وجود آخر للقسوة والوحشية، وعن مستوى قياسي يتمكن الإنسان من الوصول إليه بعد كل هذا الوجود الذي كنا نصدق فيه أن الإنسان في طريقه إلى الخير، وهذا الكتاب وهذه القصص وثيقة أكيدة على أننا في طرقنا للحضيض، لانعدام كامل الخير".

وأضافت" حسن بلاسم من خلال هذه المقولة عمل على رسم عالم سوداوي كبير، فهذه المجموعة القصصية لا تصلح من يريد أن يقرأ ما يسليه أو يسعده، لأنها واقعية جداً، وهذه المجموعة كتبت أولاً باللغة الفنلندية ومن ثم ترجمة إلى 20 لغة من ضمنها اللغة العربية".

وأوضحت الوطني أن ظروف الحياة التي عاشها بلاسم هي التي شكلت السوداوية في كتاباته، وتابعت: "حسن بلاسم كاتب عراقي كتب في مختلف أنواع السرد من ضمنها السيناريو ومارس الإخراج السينمائي، وأثناء دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة وجد العديد من المضايقات من الأكاديميين ممن ينتمون إلى حزب البعث، بعد هذه المضايقات قرر أن يخرج إلى العراق، قصة خروجه من العراق دلالة على الألفاظ التي كان يستخدمها في كتاباته، خرج من العراق حامل حقيبة فقيرة تضم مقتنياته الشخصية القليلة وأوراقا، غادر إلى كردستان وأطلق على نفس اسم "أزاز" وهي تعني الرجل الحر، وانتقل بعد ذلك إلى إيران ومنها خرج سيراً على الأقدام إلى جبال تركيا، هناك ظل يمارس أعمالا قليلة ليجمع المال للجوء إلى بلد أوروبي، لكن فشل أربع مرات في ذلك، وغادر بعدها للعمل في بلغارية وعمل عاما واحدا في مطعم وفقد ثلاثة من أصابع يده اليسرى، بعدها خرج بشاحنة إلى صربية ومنها إلى النمسا ومازال يعيش هناك".

وأوضحت الوطني أن المجموعة القصصية تطرقت لأهم القضايا مثل الأحداث والاحتلال واللجوء والسجن، وكان يبدأها كأحداث ومن ثم يبدأ بتحليل الشخصيات ودراسة حياتهم وأسباب وقوع الجريمة وما حدث بعدها، حيث بدأ بتفكيك الحدث والتصاعد فيه، والمجموعة تتناول حياة الإنسان العراقي بعد لجوئه إلى الخارج، حيث لا يشعر القارئ من خلال المجموعة أنه يقرأ قصة إنما مشهد سينمائي، كما أن النقاد وصفوا كتابة بلاسم بطريقة حسية قلما توجد لدى الكتاب.

وردا على تساؤل حول عدم وصول كتابات حسن بلاسم لنا، قالت الوطني:" البعض يرى أن السبب لأنه يعيش خارج الوطن العربي لكن يوجد الكثير في الخارج تصلنا كتاباتهم، وآخرون يرون لأنه كاتب قصة وليس رواية والمجد اليوم لكاتب الروايات، لكن النقاد يرون أن قصص بلاسم تصلح أن تصبح كل قصة بداية لرواية مستقبلية بسبب التركيب والخيال الخصب في قصصه".

وعن نقطة الضعف في المجموعة القصصية لبلاسم، قالت الوطني: "ما ضايقني في المجموعة هي اللغة المستخدمة، فبلاسم استخدم تعابير وكلمات بذيئة وفاحشة، وشتم الذات الإلهية، والقارئ لا يستطيع أن يتجاوز ذلك ففي الصفحة الواحدة الكثير من الشتائم والتصويريات الحسية التي يذكرها صراحةً، البعض يرى أن بلاسم تعمد أن يكتب بهذه الطريقة ليصدم القارئ بأن الواقع بشع ولا يمكن أن يصفه بطريقة مؤدب أو طريقة مزيفة، لكن أنا أرى أن الخيال الموجود والقصص بطبيعته صادم للقارئ لم يكن هناك حاجة لتطرق لمثل هذه اللغة".

وبينت الوطني أن قصص بلاسم كانت مثل اللوحة الفنية الأدبية التي خدشت جمالها بالألفاظ البذيئة، وتتابع:" الكاتب محسن الرملي قال إن حسن بلاسم في رأيه هو أكثر كاتب عربي وربما الوحيد الذي كتب في مطلق الحرية، موكد على كلمة مطلق، حيث يكتب متحرراً من أي اعتبار لأي نوع من الرقابات عامة أو ذاتية، رسمية أو اجتماعية، دينية أو سياسية، خلاقية، بلاغية، لغوية وغيرها وهذه الحرية المطلق حد ملاسة التوحش هي أقوى نطاق أسلوبه الذي فاجئ الغرب قبل العرب".