المظاهرة الضخمة التي شهدها آلاف الإيرانيين الرافضين لنظام الولي الفقيه، والذين احتشدوا قبل أيام قليلة في العاصمة الأمريكية واشنطن، وتحديداً قرب مقر وزارة الخارجية، تؤكد أن الشعب الإيراني سواء في داخل الجمهورية أو خارجها، عاقد العزم على الإطاحة بالنظام الإيراني، واعتقادهم الجازم بأن وجوده هو تهديد لمستقبل إيران التي تعيش حالياً أصعب أيامها على كافة الأصعدة.

تلك المظاهرة الحاشدة، التي حضرتها شخصيات أمريكية هامة في المجتمع الأمريكي، تضع النظام الإيراني تحت ضغوط جديدة، وتحديات كبيرة، فتكرار مثل هذه المظاهرات بهذا العدد الكبير تضعف من موقف النظام الإيراني، وموقف المساندين له، وتتسبب – المظاهرات – في تهييج الشارع الإيراني في الداخل، وتشجعه على الاستمرار في انتفاضته التي مضى عليها عام ونصف العام تقريباً، وهذا ما يخشاه النظام، ويحسب له حساباً أكثر من أي هجوم أمريكي، حيث تستنفر قوات الحرس الثوري عناصره، التي تخوض حالياً تدريباً عسكرياً مكثفاً، تحسباً لمواجهة الاحتجاجات في الشارع الإيراني، كما أكد ذلك تقرير نشره موقع «إيران واير» المعارض مؤخراً.

إن مظاهرات واشنطن تأتي ضمن سلسلة من المظاهرات التي تعتزم المعارضة الإيرانية في الخارج تنظيمها في مختلف العواصم الكبرى في أوروبا، إلى جانب أمريكا التي شهدت ذلك الحضور اللافت للإيرانيين في واشنطن، قدموا من 40 ولاية ليشهدوا تلك المظاهرة، وليسجلوا موقفهم ويعبروا عن رأيهم الرافض للنظام الإيراني، وهذه رسالة هامة من الشعب الإيراني في الخارج، وبالذات إلى الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يحتضن النظام الإيراني ويتعاطف معه ويدعمه.

مريم رجوي رئيسة الجمهورية الإيرانية المنتخبة من قبل المقاومة، كانت لها كلمة خلال مظاهرة الإيرانيين في واشنطن، وقالت جملة في اعتقادي هي الأهم في كلمتها وهي: «.. عندما لا يدفع الملالي الثمن بسبب جرائمهم، فهم يتشجعون ويتطاولون أكثر..»، واستشهدت رجوي بحوادث تسبب فيها النظام الإيراني مثل: إطلاق صواريخ كاتيوشا في الموصل والبصرة، واستهداف النظام الإيراني مؤخراً طائرة أمريكية بدون طيار، واستهداف ناقلات النفط، واستهداف السعودية عبر صواريخ أطلقتها مليشيات الحوثي الممولة من إيران.

نعم، النظام الإيراني يتمادى أكثر إذا تم السكوت عن جرائمه، وهذا ما يحدث في المنطقة منذ اعتلاء هذا النظام للسلطة قبل 40 عاماً، بالرغم من أن هذا النظام يعيش أصعب مراحله حالياً، بعد العقوبات الأمريكية التي أدت إلى تردي وضعه الاقتصادي، الذي لا يبشر بخير، واستمرار المظاهرات الداخلية ضده، إلى جانب ثقة الشعب الإيراني سواء في الداخل أو الخارج في منظمة «مجاهدي خلق»، ومريم رجوي التي تحظى باهتمام وشعبية متصاعدة، بدليل أن جميع المظاهرات التي تقيمها هذه المنظمة وتشارك فيها رجوي في مختلف دول العالم تحظى بحضور لافت ومبهر من الإيرانيين، وتشارك فيها الكثير من الشخصيات الهامة في المجتمعات الغربية التي تقام فيها المظاهرات والتجمعات، وتحظى باهتمام العديد من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.

إن هذا الاهتمام الكبير والملحوظ بجماعة مريم رجوي يجعل النظام الإيراني في تخوف شديد، ومهدد لمستقبل بقائه في السلطة، خاصة في ظل وجود الحاكم البديل له، والجاهز تماماً لتولي السلطة مكانه، والمقبول من الشعب ومن أغلب دول العالم التي تدعم فكرة وجود امرأة حاكمة لرئاسة إيران، خلفاً للنظام الحالي الذي فشل فشلاً ذريعاً وغير مسبوق في التاريخ الإيراني الحديث في إدارة شؤون البلاد والعباد، وتسبب في إحداث مشاكل لا حصر لها في المنطقة، كما إن وجود مريم رجوي على رأس السلطة يأتي متوافقاً مع «المزاج» العالمي الحالي، خاصة مع توجهها لجعل إيران دولة عصرية تقوم على مبادئ الديمقراطية والانفتاح والحريات والحقوق، وهذا ما لم يقدر النظام الحالي على تحقيقه طوال 40 عاماً، وهذا أيضاً ما على الاتحاد الأوروبي استيعابه، إن كان بالفعل من الداعين والمناصرين لتلك المبادئ.