استمرار مسؤولي النظام الإيراني في الإدلاء بالتصريحات النارية وتحدي الولايات المتحدة - التي تمتلك أكبر قوة في العالم ولا تبالي بأي شيء لو أن مصالحها تهددت - لا يناظره سوى تصريحات يدلي بها مسؤولو فريق كرة قدم للأشبال في حي مغمور بإحدى البلاد الفقيرة يتحدون بها فريق برشلونة بقيادة ميسي أو فريق ليفربول بقيادة محمد صلاح. الفارق الوحيد بين هؤلاء وأولئك هو أن هؤلاء يدركون أن فريقهم مهزوم لا محالة وأنه سيدخل في مرماه آلاف الأهداف في شوط المباراة الأول بينما يتعامى أولئك عن كل شيء ويستمرون في ترديد القول بأنهم قادرون بما يمتلكون من أسلحة متخلفة على مواجهة الولايات المتحدة والعالم المتحالف معها.

لو أن النظام الإيراني صادق في ادعائه بأنه يريد خير المنطقة ولا يريد الحرب لبادر إلى إيجاد حلول لعبور هذه الأزمة خصوصاً وأنه في كل الأحوال لن يتمكن من مواجهة الولايات المتحدة التي تمتلك كل شيء ويقف العالم كله إلى جانبها بسبب ما ذاقه من أذى خلال العقود الأربعة الماضية من ملالي إيران، وخصوصاً أن الشعب الإيراني لن يقف إلى جانبه مهما فعل بل سيعمد هذا الشعب المظلوم إلى استغلال الفرصة التي ربما لا تتكرر فيهب هبة رجل واحد في وجهه لإسقاطه والتحرر منه وتحرير المنطقة كلها والعقول والحياة منه.

الحرب لن تنفع النظام الإيراني وستعجل بسقوطه، لذا ينبغي أن يتوقف مسؤولوه عن الإدلاء بتصريحاتهم التي لا قيمة لها، وينبغي من الجهات المتورطة في علاقتها مع هذا النظام التوقف عن استضافتهم في وسائلهم الإعلامية، ذلك أن أحدا لم يعد يصدق ما يقولونه وما يعدون به.

من تابع المقابلة التي أجرتها قبل أيام إحدى الفضائيات القطرية التي تبث من الخارج مع المستشار العسكري لخامنئي وامتدت إلى نحو ساعة ليقول خلالها كل ما يشاء قوله تتبين له كل الحقائق التي تمت الإشارة إليها هنا ويتبين معها مدى المسافة التي تفصل بين مسؤولي النظام الإيراني والسياسة.

من الأمور التي يجب أن ينتبه إليها النظام الإيراني أن أحداً لن يقف إلى جانبه في أي حرب تنشب بينه وبين الولايات المتحدة، وأنه لن يتمكن من استخدام أدواته المتمثلة في الميليشيات التي أنشأها في العديد من الدول ولن يتوفر له المال الكافي لفعل أي شيء من ذلك، وأن كل من وعده بالعون سيتراجع فور أن يرى ما قد لا يتصوره اليوم في اليومين الأولين للحرب.

قليل من العقل يمكن أن ينقذ النظام الإيراني من السقوط والاستمرار في السلطة لوقت أطول، هذا ما يقوله المنطق، لكن الأمور تجاوزت هذا ولن تفرط الولايات المتحدة في مثل هذه الفرصة لإيجاد نظام جديد في إيران يسهم في استقرار المنطقة ويمكن الجميع من العيش في سلام والتشارك في البناء والتنمية. من هنا فإن المخرج الوحيد لاستمرار الملالي في السلطة هو التفاهم مع الولايات المتحدة وتقديم ما يلزم من تنازلات والعمل على تغيير سياستهم تجاه الشعب الإيراني والمنطقة وكل مؤثر فيها.

الحرب مع أمريكا، قصرت أم طالت، لن تكون في صالح النظام الإيراني ولن تحقق له سوى هدف واحد هو دفع المنطقة إلى مزيد من الفوضى وتعريض مصالح دولها وشعوبها للخطر.

يرى البعض أن القول بأن العقلية الفارسية لا تستوعب كل هذا قول صحيح، لكن القول بأن النظام الإيراني يمكن أن يغامر بالدخول في حرب يعرف نهايتها مسبقا مشكوك فيه. هذا يدفع إلى الاعتقاد بأن كل ما يصرح به مسؤلوه في هذه الفترة هواء، ولا يستبعد أنه توصل إلى اتفاق ما مع الأمريكان لينقذ نفسه.