نقولها بكل الحب وبكل الإخلاص وبكل الود وبكل الولاء لهذه الأرض واحتراماً لدستورها وبيعتنا، على الحكومة أن تقر أن هناك خطأ ما أو حلقة مفقودة تجعل من سياستها الاقتصادية غير قادرة إلى الآن عن وضع خطة وبرنامج لسد العجز أولاً، ووضع جدولة لسداد الدين ثانياً، وعن -وهذا هو الأهم- عجزها عن جعل القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للاقتصاد ثالثاً كما وعدت.

لنعترف أن حلولنا اقتصرت على الإعانات وعلى فرض الضرائب، ومع ذلك دخل الفرد لم يزد، ومع ذلك ديوننا لم تسدد وعجزنا مستمر.

نعم نجحت الحكومة في جذب الاستثمار، ونعم نجحت في خلق فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي ممتاز، ونعم نجحت في سد الثغرات بين الطلب والعرض في القطاع الإسكاني، ونجحت في استكمال البنية التحتية بفضل المساعدات الخليجية، ولهم منا كل الشكر، كي نكون منصفين فإن ذلك تحقق بجهد ليس باليسير.

وفي ظل التحديات التي تواجهها دول المنطقة، سرنا -ولله الحمد- على ألغام خطيرة ونجحنا في المرور منها أمنياً واقتصادياً وهذا يؤثر على ذاك، ولكن إن لم ينعكس ذلك على دخل المواطن البحريني وعلى نصيبه من الدخل القومي فنحن أمام خلل ما في مكان ما لا بد أن نضع يدنا عليه، لأن ذلك هو أهم المؤشرات القياسية.

فانفتاح السوق سياسة لم يستفد منها البحريني، ونتج عنها فتح السوق أمام العمالة الوافدة واستحواذ الأجانب على جهد الحكومة الذي بذلته، وهنا خلل لا بد من معالجته.

السؤال كيف عجزت منظومة إصلاح السوق من «صندوق العمل إلى هيئة تنظيم السوق إلى مجموعة القوانين والتشريعات التي تم سنها في الآونة الأخيرة» عن التوجه للمواطن البحريني؟ ألم تخلق هذه الهيئات وتلك المنظومة لجعل البحريني هو الأفضل؟ لم إذاً يستحوذ الأجانب على 70% من فرص العمل ذات الأجور المجزية؟

السؤال الثاني هناك من يتهم التاجر البحريني أو المصنع البحريني أو العامل البحريني أنه عجز عن إضافة قيمة لنشاطه الاقتصادي، لنعطِ مثالاً على ذلك، تاجر خشب مثلاً يتاجر به كمادة خام، وتاجر خشب آخر لم يصدره أو يتاجر به كما هو بل صنع من هذا الخشب أثاثاً منزلياً، فهو أعطى قيمة مضافة للمادة الخام، الاقتصاد البحريني يبحث عن التاجر والصانع الذي يبدع ويقدم قيمة مضافة لمنتجه يطوره يحسنه وينافس به الآخرين أياً كان ذلك المنتج، فهل القطاع الخاص عاجز عن إضافة هذه القيمة المضافة؟ لماذا؟ وكيف؟ لنتحدث بصراحة.

وهل الحكومة نجحت في إضافة قيمة لمواردنا الخام بالشكل المطلوب؟ هل خلقت سوقاً للمنتجات الثانوية البترولية والألمنيوم مثلاً؟

السؤال الثالث لماذا تشجع البحرين زيادة عدد مقدمي الخدمات من بحرينيين وغير بحرينيين دون النظر إلى معايير الجودة؟ ألم نقل في بداية برنامجنا لإصلاح السوق إننا نريد البحرين الواجهة التي تقدم خدمات نوعية وأفضل ولا نريدها الدولة الأرخص؟

إذ ليست الشطارة أن تفتح المجال للجميع أن يعمل في السوق البحريني فقط، بل الشطارة أن تسبق هذا الانفتاح بوضع معايير عالية الجودة حتى تضمن الخدمات الأفضل والمنافسة الأفضل، إنما الكارثة أننا نسير عكس اتجاه خطة الإصلاح التي وضعناها في بداية المشوار، اختفت وتنازلنا عنها، ناهيك عن العوامل الطاردة للبحريني التي عززتها منظومة التشريعات الجديدة.

فبعد أن نجحت السياسة الاقتصادية لوهلة من الزمن بإدخال شريحة كبيرة من شبابنا إلى السوق في مجال ريادة الأعمال، شريحة قللت العبء على الدولة بالبحث لها عن وظائف تثقل كاهل بند الرواتب وتضخم لنا البطالة المقنعة، عدنا فطردناها من السوق، وما عليك إلا أن تنظر إلى أثر منظومة التشريعات والتعقيدات التمويلية والرسوم التي دخلت على هذه الشريحة وقتلت فرصهم، من المسؤول عن هذا الارتداد؟

هناك بحرينيون مبدعون خلقوا مشاريعهم من الصفر إنما لا يستطيعون المضي قدماً في ظل منافسة غير عادلة وغير مستدامة وغير شريفة، وبيروقراطية معقدة تكون منفذاً لممارسات غير قانونية ونفعية خاصة، وهناك تجار بدؤوا يسرّحون عمالهم ويغلقون محلاتهم لعدم قدرتهم على منافسة الأرخص، وهناك معوقات تحول بين استحواذ البحريني على فرص العمل التي تخلقها الحكومة رغم وجود بحرينيين أكفاء.

علينا الإقرار بأننا أمام معضلة لا تحلها الإعانات والمساعدات الخليجية، ولسنا الدولة الوحيدة التي لديها تحديات حتى نتذرع بها في كل مرة، فما تواجهه دول المنطقة من تحديات عسكرية وأمنية لا يقل عن تحدياتنا أبداً إنما نجحوا في زيادة الموارد غير النفطية ونوعوا نشاطهم واستثماراتهم ووجهوها لمواطنيهم، وها هم يعلنون ميزانياتهم بلا عجوزات في ظل ذات التحديات، بل إذا استمر النمو على ذات الوتيرة سيحققون فائضاً إن شاء الله واللهم زد وبارك لهم، أما نحن فعلينا أن نقر بأن هناك خللاً ما غير بسيط يحتاج لمواجهته.